"لا تضحكوا..نحن السابقون وأنتم اللاحقون"
أثبت جميع الحكام العرب خلال التسعة أشهر الماضية أنهم وبحق أشخاصغير جديرين بمواقعهم على سدة الحكم كل في بلده ..فها هي أنظمتهم تتهاوى واحدا تلو الأخر ..وبصورة تدعو المتأمل إلى التصديق على أن من كانوا يجلسون على هذه العروش ليسوا إلا حفنة من المجرمين على أختلاف نوع الجريمة التي تخصص فيها كل منهم ..فيهم السارق والقاتل والخائن والمفسد إلى أخره في قائمة الإتهامات الموجهة إلى أصحاب السمو والفخامة والجلالة الذين أتفقوا جميعهم وتوحدوا فيما بينهم على أن يكون كل منهم سببا لأن يثور عليه شعبه مضحيا بالغالي والعزيزمقابل إقصاؤه هو ونظامه من على رأس كل دولة أبتليت بواحد منهم ..ونحن حين نحاول أن نصل لأوجه التشابه بين هؤلاء الحكام والتي بسببها كانتأوجه التشابه بين ردود أفعال شعوبهم ..سنجد أنهم جميعا أشتركوا في لعب دور الدكتاتور بمنتهى الكفاءة ولكنه دكتاتور مننوع خاص ..فأغلب دكتاتوري التاريخ كانوا يحكمون شعوبا لا يستطيع الناظرأن يميز داخل كل شعب منهم صاحب الحظوة من قليل الحيلة .. إلا أن دكتاتوري العرب تميزوا في إشاعة الفساد داخل أوطانهم كل بأسلوبه وللهدف الذي يريد أنيصل إليه متجاهلين عن عمد وربما كان بدون قصد منهم أن شعوبهم عبارة عنبشر لهم كل ما للبشر من صفات تجعل السكوت والصبر على هذه الاحوال أمريستحيل أن يمتد إلى الأبد ..ليأتي عام 2011 وكأنه الموعد القدري الذي أختارته السماء لتثور هذه الشعوب على هؤلاء الطغاة ولتطوى صفحة من كتاب التاريخ .. وتفتح صفحة جديدة لازالت معالمها لم تكتمل حتى هذه اللحظة .. لكنها وفي كل الاحوال لن تحتوي على ما هوأسوأ مما كانت تحتويه سابقتها..
* وإذا بدأنا بتونس فأننا سنجد أنه في يوم الجمعة 17 ديسمبر من عام 2010 قام شاب تونسي يدعى ( محمد البوعزيزي ) وهو من العاطلين عن العمل بإضرامالنار في نفسه احتجاجا على مصادرة السلطات البلدية في مدينة سيدي بو زيد لعربةيبيع عليها الفاكهة والخضار..وللتنديد برفض سلطات المحافظة قبول شكوى أرادتقديمها في حق الشرطية ( فادية حمدي )التي قامت بصفعه أمام الملأ..وأدى ذلكإلى اندلاع مواجهات بين مئات من الشبان في منطقة سيدي بوزيد وولاية القصرين مع قوات الأمن يوم السبت 18 ديسمبر خلال مظاهرة للتضامن مع البوعزيزيوالاحتجاج على ارتفاع نسبة البطالة والتهميش والإقصاء في هذه الولايةالداخلية..وانتهت الاحتجاجات باعتقال عشرات الشبان وتحطيم بعض المنشآت العامة..وتوسعت دائرة الاحتجاجات بـولاية سيدي بوزيد لتنتقل الحركةالاحتجاجية من مركز الولاية إلى البلدات والمدن المجاورة..حيث خرج السكان فيمسيرات حاشدة للمطالبة بالعمل وحقوق المواطنة والمساواة في الفرص والتنمية..وقد تطورت الأحداث بشكل متسارع وارتقت الاحتجاجات لتأخذ طابع سياسي ومطالبةالشعب بتنحي ( الرئيس بن علي ) عن منصبه وبالحريات ومحاسبة العابثين بالأموال العامة والتحقيق بقضايا الفساد..
* وبعد نحو عشرة أيام من سقوط النظام التونسي .. وبعد دعوات أطلقها نشطاء عبر مواقع التواصل الاجتماعي على الإنترنت..تظاهر الآلاف من المصريين في 25يناير مطالبين بالإصلاحات ثم برحيل النظام.. لكن الشرطة تصدت لهم بالهراوات ومسيلات الدموع وبالدهس والقتل أحياناً..لم يتراجع المتظاهرون أمام قمع الأجهزة الأمنية..وواصلوا الاحتجاجات في أغلبالمدن المصرية.. ودخلوا في اعتصام دائم ومفتوح .. شارك فيه الملايين بـميدانالتحرير وسط القاهرة وفي المدن الرئيسة الأخرى..ولم تفلح سياسات الوعدوالوعيد والإغراء والتهديد التي انتهجها ( حسني مبارك ) في وقف الثورة التي نجحت في الإطاحة به في 11 فبراير بعد 18 يوما من انطلاقها..
* واستباقا لقطار الثورة المهدد لأغلب عروش المنطقة .. بادر قادة أغلب الدول العربية إلى اتخاذ إجراءات سياسية واجتماعية لتفادي ما هو أسوأ..فقد بادر ( الملك السعودي عبد الله بن عبد العزيز ) فور عودته من رحلة علاجية للإعلان عن حزمة مساعدات اجتماعية تتعدى قيمتها مليارات الدولارات..وكان نحو 2000 مثقف سعودي طالبوا في ثلاث وثائق منفصلة بالإسراع في إقرار إصلاحات واسعة تضمن تطوير نظام الحكم وتمكن من التحول إلىملكية دستورية..كما خرجت مظاهرات سلمية في مناطق شيعية تطالب بإطلاقسراح سجناء رأي.. واعتقلت الأجهزة الأمنية خطيب الجمعة الشيخ توفيق العامر في منطقة الأحساء بعد دعوته للتحول إلى ملكية دستورية والمساواة في الحقوق..
* وفي المغرب أجبرت الاحتجاجات الشعبية ( الملك محمد السادس ) على الاستجابة لأبرز طلب للاحتجاجات وهو تعديل الدستور لترسيخ الفصل بين السلطات..
* وجراء ضغط الاحتجاجات وخشية من تفاقمها ..ألغى النظام الجزائري حالة الطوارئ المفروضة منذ 19عاما في البلاد .. وأعلان جملة إجراءات في مجالات العمل والإسكان ومكافحة الفساد .. بعد عدة احتجاجات ومظاهرات دامية خلفت خمسة قتلى وعشرات الجرحى ..
* كما لم تفلح الإجراءات التي أعلنها ( ملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة ) في وقف المظاهرات والاحتجاجات التي تراوحت في الأيام الماضية بين الدعوة إلىالإصلاح وإسقاط النظام.. وواصلت كتلة الوفاق الشيعية مقاطعتها لمجلس النواب ..وربطت الاستجابة للحوار بإقالة الحكومة.. وإجراء تعديلات مهمة في النظام..
* كما انطلقت الثورة الليبية في 17 فبراير بدعوات للتظاهر عبر مواقع التواصل الاجتماعي على الإنترنت.. مطالبين بإسقاط نظام( العقيد معمر القذافي ).. ومعسقوط قتلى وجرحى تمكن الثوار الليبيون من بسط سيطرتهم علىمناطق الشرقالليبي..وبعض مناطق الغرب والوسط وأخيرا سقطت العاصمة طرابلس بين أيديهم ، ولا زال الثوار يلاحقون العقيد القذافي الذي يعتقد أنه مختبىء في أحدى الواحاتالتي يسكنها أبناء قبيلته وربما يكون قد فر من ليبيا إلى أي دولة أفريقية حسب بعض التوقعات ..
* وبالتزامن مع اندلاع الثورة الليبية كان عدد من المدن اليمنية الكبرى تغلي من تحت حكم (الرئيس علي عبد الله صالح )الذي قدم تنازلات عدة ..بدءا من التخلي عن التمديد والتوريث .. مرورا باقتراح تعديلات دستورية ترضي المعارضين..وانتهاء بالمزاوجة بين قتل المتظاهرين وأمر الجيش بحمايتهم..لكن الثوار اليمنيين رفضواالإذعان وواصلوا التظاهر في أغلب الميادين.. مخيرين صالح بين التحول إلى رئيسسابق.. أو إلى رئيس مخلوع واحالتة إلىالمحكمة..
* وفي سوريا انطلقت الإحتجاجات يوم الثلاثاء 15 مارس ضد القمع والفساد وكبت الحريات وتلبية لصفحة .. الثورة السورية ضد ( بشار الأسد )..على الفيسبوك حيث قاد هذه الثورة الشبان السوريون الذين طالبوا بإجراء إصلاحات سياسية واقتصادية واجتماعية ورفعوا شعار: "حرية... حرية" لكن قوات الأمن والمخابرات السورية واجهتهم بالرصاص الحي فتحول الشعار إلى "إسقاطالنظام" ..ليتحول المشهد إلى ما يشبه الإبادة من قبل النظام لأغلبية الشعب السوري مستعينا في ذلك إلى جانب الجيش بكافة الوسائل المتاحة لتحقيق ذلك ..
* وبدرجة أقل عنفا وزخما من البلدان السابقة..خرجت مظاهرات تطالب بالإصلاح السياسي وتحسين الأوضاع المعيشية في الأردن .. ورفع الرواتب وتوفير فرصعمل وتخفيف الضرائب.. واستمرت المظاهرات لعدة أسابيع .. ورفع المحتجون سقف مطالبهم حتى طالبوا بتحول النظام إلى ملكي دستوري .. وإسقاط اتفاقية واديعربة للسلام مع إسرائيل..وهنا بادر ( الملك عبد الله بن الحسين ) إلى تعيين حكومةجديدة..وأمر برفع رواتب الموظفين وتخفيض الضرائب..كما التقى بقادة الإخوان المسلمين لأول مرة منذ استلامه السلطة..
* كما شهدت كل من السودان وموريتانيا والكويت ولبنان وجيبوتي مظاهرات متقطعة طالبت بإصلاحات سياسية وبتحسين ظروف المعيشة..وتشير الشواهد إلى أستحالة فض هذه المظاهرات دون أن تحصل الشعوب في تلك الدول على ما خرجت للتظاهرمن أجل تحقيقه ..
* هكذا وفي تسعة أشهر قد سقط من سقط وبقي من بقي وإن كان بقاؤه أصبح أضعف من ذي قبل .. ليبقى التساؤل مطروحا .. ماذا ستحتوي هذه الصفحة الجديدة منكتاب التاريخ والتي طوت الشعوب العربية سابقتها مع بدايات 2011 ..والتي ستسرد تفاصيلها تحت عنوان ( ثورات الربيع العربي )..؟!؟!؟؟!!
ـــــــــــــــــ
منقول عن: مكتوب
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق